موقع الشاعر منصور محمد دماس مذكور

 

1

ثمار الخير

رحل الشخص وبقي النص
    د/ ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يعود (يعقوب العريان) مع (نرمين) ليتماهى مع ذاته ومع (روضة)، ولتتكرر ملامح «رجلٌ جاء وذهب» في حكاية «ألزهايمر» والمريض النائي في الغرب الأمريكي ليواجه الضمور والتلاشي والغيبوبة والوجع والاستدعاءات والمواقف الممتدة من الرحيل إلى الرحيل.

النسيان هو المبتدأ لكنه لم يكن الخبر؛ فقد أناب المفاجأة بالقلب المأزوم ليخط «النهاية» الحادة القاطعة التي بعثرت أمل إحياء الذاكرة المتداعية فجثا السكون على الغياب، ولم يعد أمل في الإياب.

غازي الظاهرة تحدث عن المرض كما الأطباء، وأيقن أنه داءً بلا دواء، وحكى ما علمه الأدنون عن قرب الانطفاء، لكنه شاء التمرد عليهم؛ فلن يموت كما بقية المشاهير «ريغان ووتر وهيوارث وهيستون وجوليانا»، وسيجد المخرج في فجائية العرض لا يقينية المرض، وكأنه يضيف إلى اليأس يأسًا أو يبعثر الأمل بتعدد منافذ الأجل.

غازي المثقف عبر عن موقفه من كتاب السير الذاتية، وعاب فيها «التعري وإيذاء الناس»، وأشار إلى أستاذ الفلسفة الشهير الذي تعرض للناس بسباب سوقي (ولعله يقصد الدكتور عبدالرحمن بدوي) وللكاتب الذي يرى مسالك أبيه الشاذة (قد تكون إيماءة لمحمد شكري)، وللآخر الذي يقول عن أبيه الكاتب الإسلامي ذائع الصيت: إنه لم يكن يصوم ولا يصلي.

غازي المجتمعي يطرق باب الاختلاط بقراءة تاريخية للمألوف الذي تجافى مع «المعروف»، والطفل الذي يزدوج التعامل معه فلم يعد صبياً يغشى مجالس النساء ولا رجلاً يقبله الكبار، والمراهقة التعيسة التي يسقط المتعاملون معها فتصيب عابريها بالكآبة.

غازي السياسي له توقفاته كما مواقفه من لدن نكسون وفيتنام إلى دبليو وغوانتانامو، والحكام الذين ابتلي بهم الزمان في الأمم المتخلفة، وسياسات الأراضي المحروقة.

غازي المفكر يقف على تآليف العرب التي تنسى المستقبل وتغيب في الماضي، وكيف تستطيع أمة أن تصنع مستقبلها وهي في قبضة ماضيها، وتفخر لأنها اخترعت «الصفر» ذات يوم، وقال -في إحدى رسائله لزوجته نرمين-: حين تجدين خمسين كتاباً مستقبلياً منشوراً من الخليج إلى المحيط فتفاءلي ولكن انتظارك سيطول.

غازي الشمولي يبحر في كل الاتجاهات، ويعرض ولا يستعرض المعلومات، ومن يقرؤه (في حكايته هذه وأعماله ومواقفه) ستقابله الدهشة من تعدد المفرد وتفرد الواحد.

غازي الإنسان أفاق صباحاً وهو يردد بيت المتنبي الذي وصفه «بالجميل» -في رسالته الثالثة لزوجته-:

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً

وحسبُ المنايا أن يكن أمانياً

لندرك يقيناً أن «يعقوب العريان» هو نفسه «غازي» الذي يتحدث عن ارتباط ذكرياته الأولى بالموت، وواقعه الأخير برفقته حين «يصاب الإنسان بمرض لا يشفيه إلا الموت».

و»الجزيرة» التي منحته أهم جائزة في حياته -كما قال بخطابه الشهير لرئيس التحرير والمرسوم على الغلاف الأخير لإصدار الجزيرة الثقافي (الاستثناء)- بقيت معه حتى لحظته الأخيرة، وكان أن انفردت بعلاقتها العضوية معه على مدى أربعين عاماً أو تزيد.

والثقافية تقدم -في ملحقها اليوم- مجتزءات من الكلام الأخير الذي رثى الذات والصفات، وحكى ملامح متجددة في ملحمة الرجل الذي جاء وأضاء، وتوارى ولم يغب، وانتقل وبقي ذكراً وفكراً وشكراً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
جميع الحقوق محفوظة للشاعر منصور محمد دماس مذكور
1426/2006
الرئيسية ترجمة الشاعر عالم الشعر عالم النثر من ثمار الخير سجل الزوار راسلني