موقع الشاعر منصور محمد دماس مذكور

 

1

جرح و بلسم

حكايات حيوانيّة

منصور محمد دماس مذكور   

 روى لي أحد الزملاء أن أسرة بدوية كانت تقتني كلباً لحماية مواشيها ومن عادة هذه الأسرة التنقل من مكان إلي مكان إلى حيث يوجد الريُّ والمرعى وذات مرةٍ انتقلت وتركت كلبة مع جرائهاالصِّغار حيث تُقيم أغلب حياتها فهاجمها ذئبٌ وأكل أحـــد جرائها ثم اختفى فخبَّأت الباقي في مكان يصعب الوصول إليه ثم أسرعت بالذهاب إلى حيث تقيم الأسرة وجراؤها الكبار لتأتي بهم معها لأخذ الثّأر من الذئب الذي هاجمها وفعلاً عاد الذئب ليأخذ ما بقي فوجدها والكبار من الجراء بالمرصاد حيث دارت معركة فاصلة بينهم أسفرت عن قتل الذئب ثأراً وقتل جروٍ آخر من جرائها تضحية. * وروى لي أخر أنه شهد معركة حامية الوطيس بين قطَّّة و ثعبان أسفرت عن لدغ الثعبان للقطة والاختفاء في جحره فشهد الراوي القطة تتألم بعد أيام بانسلاخ جلدها وهي تتعاهده بلسانها ولم تمض سوى أيام يسيرة على شفائها حتى رآها تتردد على المكان الذي داهمها الثعبان فيه فقاطعتُ الراوي قائلاً : وأتخيَّلها تردد قول الشاعر :

ألا موت يُباع فأشتريه ¤¤¤¤ فهذا العيش مالا خيرفيه
ألا رحم المهيمن نفس حرٍّ ¤¤¤¤ تصدَّق بالوفاة على أخيه

قال :نعم ففي عصر يوم خرج الثعبان كعادته فوجد القطة له بالمرصاد لتهاجمه بكل شراسة أخذاً بالثَّأر لكن هذه المرة وجدت من يساعدها للقضاء على الثعبان من من شهدوا معركة أخذ الثَّأر. قلتُ يا ترى هل الأزمان لم تغيِّر الحيونات فلم تؤثر فيهم الحياة المعاصرة كما أثََّرت على بعض خلق الله فسلبتهم بعض السمات الوراثية ومنها أخذ الثَّأر؟ أم أن القدرات والظروف المحيطة بالخلق هي المُفعِّلة لبعض الصفات فتظهر بها وتختفي – أيضاً – بها ؟
أم أن تكوين المخلوقات يجعلها تتفاوت في بعض الصفات كما تتفاوت في القدرات؟ فتبسم صاحبي من هذه التسآؤلات فقلت: له لك أن تبتسم لكن لاتندهش فقد حكى لي أحد الزملاء قصة من قصـص الحيوانات حكاها له أحد المسنين فقال: لقد مرت بهم سنون قحط وجدب وكان لهم كلب يحرس شياههم وفراخههم من الثعالب والذئاب وكانوا يعتبرونه ممثلاً قمة الوفاء والحرص لكنهم أهملوه لشدة ما أصابهم وأصاب مواشيهم من قحط وجدب فأحسوا بدجاجهم وفراخه ينقص يوماً بعد يوم فتابعواالحراسة بأنفسم فعرفوا أن الكلب الذي يضرب به المثل في الوفاءأصبح يمثل قمةالخيانة والغدرأما كيف؟ فقد واصل زميلي قائلاً لقد أصيبوا بخيبة أمل عندما شاهدوا كلبهم يشارك ثعلباً في أكل فراخهم وهوما لم يتصوره وذلك لما يعرفونه من عداوة بين الثعالب والكلاب فلم يخطرببالهم أن الشدّة ستحولها في يوم ما إلى صداقة حميمة هم الخاسرون بها بدون شك.
قلت: لزميلي لقد محا هذا الكلب الصفة الوحيدة التي ترفع من شأن الكلاب وهي صفة الوفاء فهو أنجس حسب قولهم من من خلَّفوه ثم قلتُ: لزميلي ألا تعتقد أن تفريطهم في كلبهم بنسيان إطعامه لما أصابهم من شدة هوالسبب الوحيد الذي يعذر به كلبهم بتفريطه وتحالفه مع أشدِّ أعدائه ضدهم ؟ قال أعتقد ذلك وقال : أعتقد أيضاً إن الحكاية الحيوانية المفرطة هي تلك التي مارسهوها مع المسجونين العراقيين فهل سمعت بحكاية أقذر من تلك الحكاية وإجرام أبشع من ذاك الإجرام ؟ فقلت : حسبنا الله ونعم الوكيل .

 

 

 
جميع الحقوق محفوظة للشاعر منصور محمد دماس مذكور
1426/2006
الرئيسية ترجمة الشاعر عالم الشعر عالم النثر من ثمار الخير راسلني